الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» **
استهل بيوم الأربعاء والأمر على ما هو عليه وسعيد آغا ساع ومجتهد في إجراء الصلح ويركب تارة إلى الباشا وتارة إلى محمد علي وإلى حسن باشا ويطلع من المشايخ في كل ليلة اثنان وكذلك اثنان من الوجاقلية يبيتون بمكان في دار الضرب وينزلون في الصباح ولم يعقل لذلك معنى وفي كل وقت يقع التشاحن بين أفراد العسكر في الطرقات ويقتلون بعضهم بعضًا وحضر سليمان كاشف البواب ومر من خلف الجيزة وذهب إلى جهة وردان وطلب الأموال من البلاد والكلف وعدى خازنداره إلى بر المنوفية ومعه عدة كثيرة من العربان بطلب الأموال من البلاد ومن عصى عليهم من البلاد ضربوهم ونهبوهم وحرقوا أجرانهم وكاشف المنوفية داخل منوف لا يقدر على الخروج إلى خارج وحضر أيضًا محمد بك الألفي إلى ناحية أبي صير الملق وانتشرت طوائفه وعربانه بإقليم الجيزة ومصر مشحونة بأخلاط العسكر وأجناسهم المختلفة داخل المدينة وخارجها والدالاتية جهة مصر القديمة وقصر العيني والآثار ودير الطين يأكلون الزروعات ويخطفون ما يجدونه مع الفلاحين والمارين ويأخذونن ما معهم ويخطفون النساء والأولاد بل ويلوطون في الرجال الاختيارية. وفي أوله حضر سكان مصر القديمة نساء ورجالًا إلى جهة الجامع الأزهر يشكون ويستغيثون من أفعال الدالاتية ويخبرون أن الدالاتية قد أخرجوهم من مساكنهم وأوطانهم قهرًا عنهم ولم يتركوهم يأخذون ثيابهم ومتاعهم بل ومنعوا النساء أيضًا عندهم وما خلص منهم إلا من تسلق ونط من الحيطان وحضروا على هذه الصورة فركب المشايخ إلى الباشا وخاطبوه في أمرهم فكتب فرمانًا خطابًا للدالاتية بالخروج من الدور وتركها إلى أصحابها فلم يمتثلوا ولم يسمعوا ذلك وخوطب الباشا ثانيًا وأخبروه بعصيانهم فقال أنهم مقيمون ثلاثة أيام ثم يسافرون وزاد الضجيج والجمع فاجتمع المشايخ في صبحها يوم الخميس بالأزهر وتركوا قراءة الدروس وخرجت سربة من الأولاد الصغار يصرخون بالأسواق ويأمرون الناس بغلق الحوانيت وحصل بالبلدة ضجة ووصل الخبر إلى الباشا بذلك فأرسل كتخداه إلى الأزهر فلم يجد أحدًا وكان المشايخ انتقلوا بعد الظهر إلى بيتهم لأغراض نفسانية وفشل مستمر فيهم فلما ير أحدًا ذهب إلى بيت الشيخ الشرقاوي وحضر هناك السيد عمر أفندي وخلافه فكلموه وأوهموه ثم قام وانصرف وفي حال خروجه رجمه الأولاد بالحجارة وسبوه وشتموه وبقي الأمر على السكوت إلى يوم الجمعة عاشره والمشايخ تاركون الحضور إلى الأزهر وغالب الأسواق والدكاكين مغلقة واللغط والوسوسة دائران وبطل طلوع المشايخ والوجاقلية ومبيتهم بالقلعة وفي ذلك اليوم نزل أحمد باشا من القلعة ودخل بيت سعيد آغا وذلك أنه ورد قاصد من إسلامبول وعلى يده تقليد لمحمد علي بولاية جدة فامتنع من طلوع القلعة فوقع الاتفاق على أن الباشا ينزل إلى بيت سعيد آغا ويخلع على محمد علي ناك فلما حضر الباشا هناك وحضر محمد علي وحسن باشا وأخوه عابدي بك وتقلد محمد علي باشا ولاية جدة ولبس فروة وقاووقًا وخرج يريد الركوب ثارت عليه العسكر وطلبوا منه العلوفة فقال لهم هاهو الباشا عندكم وركب هو وذهب إلى داره بالأزبكية وصار يفرق وينثر الذهب بطول الطريق ثم أن العسكر ساروا إلى أحمد باشا ومنعوه من الركوب فلم يزل إلى بعد الغروب فلاطفهم حسن باشا ووعدهم ثم ذهب مع حسن باشا إلى داره وأشيع في المدينة حبسه وفرح الناس وباتوا مسرورين فلما طلع النهار يوم السبت تبين أنه طلع ثانيًا إلى القلعة في آخر الليل وطلع صحبته عابدي آغا بك فاغتم الناس ثانيًا. وفي ذلك اليوم طلب الباشا من ابن المحروقي وجرجس الجوهري ألفي كيس وأشيع أنه عازم على عمل فردة على أهل البلد وطلب أجرة الأملاك بموجب قوائم الفرنساوية. وفيه ركب الدلاة وذهبوا إلى قليوب ودخلوها واستولوا عليها وعلى دورها وربطوا خيولهم على أجرانها وطلبوا من أهلها النفقات والكلف وعملوا على الدور دراهم يطلبونها منهم في كل يوم وقرروا على دار شيخ البلد الشواربي كل يوم مائة قرش وحبسوا حريمهم عن الخروج وكان الشواربي بمصر فوصل إليه الخبر بذلك واستمروا على ذلك حتى أخذوا النساء والبنات والأولاد وصاروا يبيعونهم فيما بينهم وبعد أيام أرسل إليهم محمد علي وقرر لهم الكلف على البلاد فصاروا يقبضونها ومن عصى عليهم ضربوه ونهبوه وأرسلوا إلى بلدة يقال لها أبو الغيط فامتنعت عليهم وخرج أهلها ودفنوا متاعهم بالجزيرة المقابلة للقرية فركبوا عليهم وحاربوهم فقتل من الفلاحين زيادة عن مائة شخص ودلهم بعض الناس من الفلاحين على خباياهم بالجزيرة فذهبوا إليها واستخرجوها وكانت أشياء كثيرة والأمر لله وحده لا شريك له والمشايخ تاركون الحضور إلى الأزهر وغالب الأسواق والدكاكين مغلقة وبطل طلوع المشايخ والوجاقلية ومبيتهم بالقلعة فحضر الآغا إلى نواحي الأزهر ونادى بالأمان وفتح الدكاكين في العصر فقال الناس وأي شيء حصل من الأمان وهو يريد سلب الفقراء ويأخذ أجر مساكنهم ويعمل عليهم غرامات وباتوا في هرج ومرج فلما أصبح يوم الأحد ثاني عشره ركب المشايخ إلى بيت القاضي واجتمع به الكثير من المتعممين والعامة والأطفال حتى امتلأ الحوش والمقعد بالناس وصرخوا بقولهم شرع الله بيننا وبين هذا الباشا الظالم ومن الأولاد من يقول يا لطيف ومنهم من يقول يا رب يا متجلي أهلك العثملي ومنهم من يقول حسبنا الله ونعم الوكيل وغير ذلك وطلبوا من القاضي أن يرسل بإحضار المتكلمين في الدولة لمجلس الشرع فأرسل إلى سعيد آغا الوكيل وبشير آغا الذي حضر قبل تاريخه وعثمان آغا قبي كتخدا والدفتردار والشمعدانجي فحضر الجميع واتفقوا على كتابة عرضحال بالمطلوبات ففعلوا ذلك وذكروا فيه تعدي طوائف العسكر والإيذاء منهم للناس وإخراجهم من مساكنهم والمظالم والفرد وقبض مال الميري المعجل وحق طرق المباشرين ومصادرة الناس بالدعاوى الكاذبة وغير ذلك وأخذوه معهم ووعدوه برد الجواب في ثاني يوم وفي تلك الليلة أرسل الباشا مراسلة إلى القاضي يرفق فيها الجواب ويظهر الامتثال ويطلب حضوره إليه من الغد مع العلماء لعمل معهم مشورة فلما وصلته التذكرة حضر بها إلى السيد عمر أفندي واستشاروا في الذهاب ثم اتفقوا على عدم التوجه إليه وغلب على ظنهم أنها منه خديعة وفي عزمه شيء آخر لأنه حضر بعد ذلك من أخبرهم أنه كان أعد أشخاصًا لاغتيالهم في الطريق وينسب ذلك الفعل لأوباش العسكر أن لو عوتب بعد ذلك. فلما أصبحوا يوم الاثنين اجتمعوا ببيت القاضي وكذلك اجتمع الكثير من العامة فمنعوهم من الدخول إلى بيت القاضي وقفلوا بابيه وحضر إليهم أيضًا سعيد آغا والجماعة وركب الجميع وذهبوا إلى محمد علي وقالوا له أنا لا نريد هذا الباشا حاكمًا علينا ولا بد من عزله من الولاية فقال ومن تريدونه يكون واليًا قالوا له لا نرضى إلا بك وتكون واليًا علينا بشروطنا لما نتوسمه فيك من العدالة والخير فامتنع أولًا ثم رضي وأحضروا له كركًا وعليه قفطان وقام إليه السيد عمر والشيخ الشرقاوي فألبساه له وذلك وقت العصر ونادوا بذلك في تلك الليلة في المدينة وأرسلوا إلى أحمد باشا الخبر بذلك فقال إني مولى من طرف السلطان فلا أعزل بأمر الفلاحين ولا أنزل من القلعة إلا بأمر من السلطنة وأصبح الناس وتجمعوا أيضًا فركب المشايخ ومعهم الجم الغفير من العامة وبأيديهم الأسلحة والعصي وذهبوا إلى بركة الأزبكية حتى ملؤها وأرسل الباشا إلى مصر العتيقة فحمل جمالًا من البقسماط والذخيرة والجبخانة وأخذ غلاله من عرصة الرميلة وطلع عمر بك الأرنؤدي الساكن ببولاق عند الباشا بالقلعة ثم أن محمد علي باشا والمشايخ كتبوا مراسلة إلى عمر بك وصالح آغا قوش المعضدين لأحمد باشا المخلوع يذكرون لهما ما اجتمع عليه رأى الجمهور من عزل الباشا ولا ينبغي مخالفتهم وعنادهم لما يترتب على ذلك من الفساد العظيم وخراب الإقليم فأرسلا يقولان في الجواب أرونا سندًا شرعيًا في ذلك فاجتمع المشايخ في يوم الخميس سادس عشره ببيت القاضي ونظموا سؤالًا وكتب عليه المفتون وأرسلوه إليهم فلم يتعقلوا ذلك واستمروا على خلافهم وعنادهم ونزل كثير من أتباع الباشا بثيابهم إلى المدينة وانحل عنه طائفة الينكجرية ولم يبق معه إلا طوائف الأرنؤد المغرضون لصالح آغاقوش وعمر آغا. وفي هذه الأيام حضر محمد بك الألفي ومن معه من أمرائه وعربانه وانتشروا جهة الجيزة واستقر الألفي بالمنصورية قرب إليهرام وانتشرت أتباعه إلى الجسر الأسود وأرسل مكاتبة إلى السيد عمر أفندي والشيخ الشرقاوي ومحمد علي باشا يطلب له جهة يستقر فيها هو وأتباعه فكتبوا له بأن يختار له جهة يرتاح فيها ويتأنى حتى تسكن الفتنة القائمة بمصر واستمر أحمد باشا المخلوع ومن معه على الخلاف والعناد وعدم النزول من القلعة ويقول لا أنزل حتى يأتيني أمر من السلطان الذي ولاني وأرسل تذكرة إلى القاضي يذكر فيها أن العسكر الذين عنده بالقلعة لهم جامكية منكسرة في المدة الماضية وأنهم كانوا محولين على مال الجهات ورفع المظالم سنة تاريخه معجلًا فتقبضونها وترسلونها وتعينوا لنا ولهم خرجًا ومصاريف إلى حين حضور جواب من الدولة وليس في إقامتنا بالقلعة ضرر أو خراب على الرعية فإننا لا نريد إضراراهم فأجابه القاضي بقوله أما ما كان من الجامكية المحولة فإنها لازمة عليكم من إيراد المدة التي قبضتموها في المدة السابقة ومن قبيل ما ذكرتموه من عدم ضرر الرعية فإن إقامتكم بالقلعة هو عين الضرر فإنه حضر يوم تاريخه نحو الأربعين ألف نفس بالمحكمة وطالبون نزولكم أو محربتكم فلا يمكننا دفع قيام هذا الجمهور وهذا آخر المراسلات بيننا وبينكم والسلام فأجابوه بمعنى الجواب الأول واجتهد السيد عمر أفندي النقيب وحرض الناس على الاجتماع والاستعداد وركب هو والمشايخ إلى بيت محمد علي باشا ومعهم الكثير من المشايخ والعامة والوجقلية والكل بالأسلحة والعصي والنبابيت ولازموا السهر بالليل في الشوارع والحارات ويسرحون أحزابًا وطوائف ومعهم المشاعل ويطوفون بالجهات والنواحي وجهات السور ثم اتفقوا على محاصرة القلعة فأرسل محمد علي باشا عساكره في جهات الرميلة والحطابة والطرق النافذة مثل باب القرافة والحصرية وطريق الصليبية وناحية بيت آقبردى وجلسوا بالمحمودية والسلطان حسن وعملوا متاريس في تلك الجهات وذلك في تاسع عشره ومنعوا من يطلع ومن ينزل من القلعة وأغلق أهل القلعة الأبواب ووقفوا على الأسوار يبكت بعضهم بعضًا بالكلام ويترامون بالبنادق وصعدوا على منارة وفي يوم الأربعاء ثاني عشرينه ركب السيد عمر أفندي والمشايخ ومعهم جمع كبير من الناس إلى الأزبكية وبعد ركوبهم حضر الجمع الكثير من العامة والعصب وطوائف الأجناد والوجاقلية وعصب النواحي وأهل الحسينية والعطوف والقرافة والرميلة والحطابة والصليبة وجميع الجهات ومعهم الطبول والبيارق حتى غصت بهم الأزقة فحضروا إلى جهات الجامع الأزهر ثم رجعوا إلى الأزبكية ولحقوا بالمشايخ وخرج لمشايخ من عند محمد علي باشا وذهبوا إلى حسن بك أخي طاهر باشا ثم رجعوا واستمر الحال على ذلك إلى ليلة الجمعة فنزل بين المغرب والعشاء عدة من العسكر كبيرة وفتحوا بابا القلعة بالرميلة وأرادوا الهجوم على المتاريس فتابعوا عليهم بالرمي فلم يزالوا يترامون إلى بعد العشاء الأخيرة ثم رجعوا وعندما سمع الناس صوت الرمي ذهبوا أرسالًا إلى جهات المتاريس ثم عادوا بعد رجوع المذكورين إلى القلعة كل ذلك وحسن باشا طاهر ومن معه من الأرنؤد يراعون من بالقلعة من أجناسهم لأن غالبهم منهم فلما كان يوم الجمعة رابع عشرينه طلع عابدي بك أخو حسن باشا إلى القلعة ونزل عمر بك وأمروا برفع المتاريس وتفرق من بها وأشيع نزول الباشا من الغدو بات الناس على ذلك ليلة السبت وهم على ما هم عليه من التجمع والسروح والحيرة. وفي صبح يوم السبت مر ثلاثة من العسكر الشجعان بناجية مرجوش فصادفوا غلامًا حماميًا من اللاونجية خرج ليشتري قهوة فأرادوا أخذه ففر منهم فضربوه برصاصة وقتلوه وذلك في صلاة الحنفي فتبعهم الناس فوصلوا إلى النحاسين وعطفوا على خان الخليلي وأرادوا الخلوص إلى جهة المشهد الحسيني فأغلقوا في وجوههم البوابة فضربوا على المتبعين لهم فقتلوا شخصًا وجرحوا آخر وخرجوا من القبو إلى ناحية الصنادقية وفرغ ما معهم من البارود فطلعوا إلى ربع وكالة الشبراوي فاجتمع الناس وكسروا باب الربع فنزلوا يريدون الهروب فقتلهم الناس وذهبت أرواحهم إلى النار. وفي ذلك اليوم ركب السيد عمر أفندي في قلة من الناس وذهب إلى بيت حسن بك أخي طاهر باشا وكان هناك عمر بك الذي نزل من القلعة فوقع بينه وبين السيد عمر مناقشة في الكلام طويلة ومن جملة ما قال كيف تعزلون من ولاه السلطان عليكم وقد قال الله تعالى أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فقال له أولو الأمر العلماء وحملة الشريعة والسلطان العادل وهذا رجل ظالم وجرت العادة من قديم الزمان أن أهل البلد يعزلون الولاة وهذا شيء من زمان حتى الخليفة والسلطان إذا سار فيهم بالجور فإنهم يعزلونه ويخلعونه ثم قال وكيف تحصرونا وتمنعون عنا الماء والأكل وتقاتلونا نحن كفرة حتى تفعلوا معنا ذلك قال نعم قد أفتى العلماء والقاضي بجواز قتلكم ومحاربتكم لأنكم عصاة فقال أن القاضي هذا كافر فقال: إذا كان قاضيكم كافرًا فكيف بكم وحاشاه الله من ذلك إنه رجل شرعي لا يميل عن الحق وانفصل المجلس على ذلك وخاطبه الشيخ السادات في مثل ذلك فلم يتحول عن الخلاف والعناد هذا والأمر مستمر من اجتماع الناس وسهرهم وطوافهم بالليل واتخاذهم الأسلحة والنبابيت حتى أن الفقير من العامة كان يبيع ملبوسه أو يستدين ويشتري به سلاحًا وحضرت عربان كثيرة من نواحي الشرق وغيره. وفي يوم الاثنين ركب السيد عمر وصحبته الوجاقلية وأمامه الناس بالأسلحة والعدد والأجناد وأهل خان الخليلي والمغاربة شيء كثير جدًا ومعهم بيارق ولهم جلبة وازدحام بحيث كان أولهم بالموسكي وآخرهم جهة الأزهر وانفصل الأمر على رجوع عمر بك إلى القلعة ونزول عابدي بك بعد أن فضوا أشغالهم وعبوا ذخيرتهم واحتياجهم من الماء والزادة والغنم ليلًا ونهارًا في مدة الثلاثة أيام المذكورة وقد كانوا أشرفوا على طلب الأمان وتبين أنهم إنما فعلوا ذلك من باب المكر والخديعة واتفق الحال على إعادة المحاصرة وصعد المغرضون إلى القلعة ونزل أشخاص من المغرضين لأهل البلد إليهم ورجع السيد عمر إلى منزله وأخذ في أسباب الإحاطة بالقلعة كالأول وذلك بعد العشاء ليلة الثلاثاء ووقع إليه تمام في صبحها بذلك وجمعوا الفعلة والعربجية وشرعوا في طلوع طائفة من العسكر والعرب وغيرهم إلى الجبل وأصعدوا مدافع ورتبوا عدة جمال لنقل الاحتياجات والخبز وروايا الماء تطلع وتنزل في كل يوم مرتين وطلع إليهم الكثير من باعة الخبز والكعك والقهاوى وغير ذلك. شهر ربيع الأول استهل بيوم الخميس سنة 1220 والأمر على ذلك مستمر من تجمع الناس وسهرهم بالليل في سائر الأخطاط. وفي ليلة الثلاثاء سادسه تحرك العسكر وطلبوا العلوفة من محمد علي فقال لهم ليس لكم عندي علوفة حتى ينزل أحمد باشا من القلعة ونحاسبه وتأخذوا علائفكم منه فلم يمتثلوا وتركوا المتاريس التي حوالي القلعة فتفرقوا وذهبوا فذهب جماعة من الرعية وتترسوا مواضعهم. وفي ليلة الخميس ثامنه حضرت طائفة من العسكر الساكنين بناحية المظفر وقت الغروب وضربوا على من بالمتاريس من الأجناد والرعية على حين غفلة وخطفوا عمائم وأسلحة وأجلوهم عن المتراس وجلسوا به فتسامع أهل الرميلة فاجتمعوا وحضروا إليهم وكبيرهم حجاج الخضي وإسماعيل جودة وهجموا عليهم وقتلوا منهم أنفارًا وانحاز باقيهم إلى الوكالة فأغلقوها عليهم فحضر ذو الفقار كتخدا ودافع عنهم وأخرجهم ثم أرسل إلى محمد علي وأمرهم بالهروب من تلك الجهة. وفي يوم السبت عاشره حصل من بعض أفراد العسكر قبائح وقتلوا بعض أنفار وحمارين وبغلين وقبض العامة أيضًا على أشخاص منهم وقتلوا منهم أيضًا وحضر طائفة من الأرنؤد وملكوا سبيل اسكندر بباب الخرق وحضر أيضًا طائفة ببيت السيد عمر أفندي النقيب فقام فيهم الحرس الواقفون عند باب البيت فهرب منهم طائفة خيالة ودخل منهم البعض فحجزوهم ووقعى في الناس هوزعات وكرشات ثم أحضر حسن آغا نجاتي المحتسب وأمر الأفندي بالمناداة فمر وأمامه المنادي يقول حسبما رسم السيد عمر الأفندي والعلماء لجميع الرعايا بأن يأخذوا حذرهم وأسلحتهم ويحترسوا في أماكنهم وأخطاطهم وإذا تعرض لهم عسكري بأذية قابلوه بمثلها وإلا فلا يتعرضوا له وأخذ الناس يعملون متاريس في رؤس الأخطاط ثم تركوا ذلك وحضر أيضًا شخص من طرف محمد علي ونادى بمثل ذلك ومعه أيضًا شخص ينادي بالتركي بمعنى ذلك. وفي الليلة الماضية حضر كتخدا محمد علي ليلًا ومعه فرمان أرسله أحمد باشا المخلوع إلى الدلاة يطلبهم للحضور ويذكر لهم أنه يجب عليهم معاونته صيانة لعرض السلطنة وإقامة لناموسها وناموس الدين وأن الفلاحين محاصرونه ومانعون عند الأكل والشرب فلما وصل ذلك الفرمان إليهم بقليوب أرسلوه إلى محمد علي وأرسله محمد علي إلى السيد عمر أفندي النقيب. وفي يوم الأحد حادي عشره وقعت أيضًا مناوشات وتعدى بعض العسكر ودخلوا باب زويلة ووصلوا إلى العقادين فخرجت عليهم طائفة المغاربة وغيرهم فتترس منهم جماعة بجامع الفاكهاني فحصروهم به وقبضوا على نحو العشرة أنفار فأخذهم السيد محمد المحروقي ودافع عنهم العامة وقتل من الفريقين بعض أنفار وحضر عابدي بك وطلبهم فسلموهم إليه ورجع. وفي تلك الليلة أيضًا ذهب جماعة من العسكر إلى جهة الرميلة يطلبون أنفارًا منهم ساكنين بتلك الناحية أخذ أهل الرميلة سلاحهم وحبسوهم عندهم فذهبت امرأة من المتزوجات بهم فأخبرتهم فحضر منهم طائفة أواخر النهار وطلبوهم فلم يسلموا فيهم وحاربوهم وهزموهم إلى جهة الصليبة وقتل بينهم أنفار ورجع العسكر واختلطت القضية واشتبه أمرها على أهل البلد فلا يعرف كلا الفريقين الصاحب من العدو فتارة يتشابك العسكر مع أهل البلد وكذلك أهل البلد معهم وتارة يتشابك فرقة منهم مع الكائنين بالقلعة وتارة الفريقان يساعد بعضهم بعضًا وإذا رقع بين الكائنين بنواحي الرميلة مع العسكر فرح من بالقلعة وأغروا أولاد البلد بهم ومنهم من يغري العسكر على أولاد البلد ويقولون لهم بلسانهم وبالعربي اضربوا الفلاحين ونحو ذلك وبالجملة فهي قضية مشكلة بين أوباش مختلفة وطباع معوجة منحرفة ومضت ليالي المولد الشريف ولم يشعر بها أحد. وفيه حضر كبار الدلاة فخلع عليهم محمد علي باشا خلعًا وكساوي وسافروا ثم ارتحلوا من قليوب يريدون الذهاب إلى محاربة الألفي وأتباعه ومن معهم من العرب فأنهم أفحشوا في نهب البلاد ونهب الأموال ما لم يسمع بمثله ولم يتقدم نظيره فساروا على البلاد والقرى يأخذون الكلف وينهبون ويقتلون ويفسقون في النساء والأولاد ولم يذهبوا إلى ما وجهوا إليه. وفي ليلة الأربعاء رابع عشره حضر كتخدا محمد علي وجرجس الجوهري إلى بيت السيد عمر وحضر أيضًا الشيخ الشرقاوي والشيخ الأمير والقاضي وتشاوروا على أمر ورأي رآه محمد علي باشا وأما علي باشا السلحدار الذي جهة مصر القديمة فإنه أخذ في استمالة العسكر وفتنتهم وانضم إليهم كثير منهم ووعدهم بعلائفهم وصار يراسل أحمد باشا سرًا ويرسل إليه الخبز واللحم والسكر والذخيرة على الجمال من باب صغير فتحوه من عرب اليسار من داخل. وفي ليلة السبت أجمع رأي علي باشا السلحدار على مكيدة يصنعها وهو أنه يركب فيمن معه ويهجم على المتاريس من جهة الصليبة وأرسل إلى مخدومه يعلمه بذلك وأنه إذا هجم من تلك الناحية يساعده هو من القلعة برمي الدافع والقنابر على البلد والمتاريس فتنزعج الناس ويتم لهم ما مكروه وكتب رجب آغا وسليمان آغا وهما كبؤرا عسكر علي باشا المذكور تذكرة عن عندهما خطابًا للسيد عمر أفندي النقيب وباقي المشايخ مضمونها أنهما يريدان الحضور إلى جهة القلعة ويسعيان في أمر يكون فيه الراحة للفريقين وتسكين الفتنة ويلتمسان من المخاطبين أنهم يرسلون إلى من بالمتاريس من العمة بأن يخلوا لهما طريقًا ولا يتعرضون لهما فحضر إلى السيد عمر أفندي النقيب من أخبره بذلك الاتفاق بعد الفجر قبل حضور التذكرة فأرسل إلى من بالنواحي والجهات وأيقظهم وحذرهم فاستعدوا وانتظروا وراقبوا النواحي فنظروا إلى ناحية القرافة فرأوا الجمال التي تحمل الذخيرة الواصلة من علي باشا إلى القلعة ومعها أنفار من الخدم والعسكر وعدتهم ستون جملًا فخرج عليهم حجاج الخضري ومن معه من أهالي الرميلة وحاربوهم وأخذوا منهم تلك الجمال وقتلوا شخصين من العسكر وقبضوا على ثلاثة وحضروا بهم وبرؤس المقتولين إلى بيت السيد عمر فأرسلهم إلى محمد علي باشا فأمر بقتل الآخرين فلما رأى من بالقلعة ذلك فعندها رموا بالمدافع والقنابر على البلد وبيت محمد علي وحسن باشا وجهة الأزهر ولم يزالوا يراسلون الرمي من أول النهار إلى بعد الظهر فلم ينزعج أهل البلد من ذلك لما ألفوه من أيام الفرنسيس وحروبهم السابقة ثم رموا كذلك من العشاء إلى سادس ساعة من الليل فلم يجبهم أحد ولم يرموا عليهم شيئًا من الجبل مع استعدادهم لذلك وأصبحوا يوم الأحد فواصلوا الرمي بطول النهار وكذلك ليلة الاثنين ويوم الاثنين هذا. وفي كل ليلة يطلع إلى الجبل أربعة عشر جملًا تحمل قرب الماء على كل بعير أربع قرب وستة أقفاص خبز على ثلاثة جمال نقلتين في كل يوم وأصعدوا جبخانة وجللًا وقنابر وضربوا عليهم في ذلك اليوم ضربًا قليلًا واستمر ذلك ليلة الثلاثاء ويوم الثلاثاء فأكثروا الرمي وسقطت قنابر وجلل في عدة أماكن مع الضرر القليل وباتوا على ذلك ليلة الأربعاء ويومه وليلة الخميس ويومه إلى آخر النهار وبطل الرمي تلك الليلة فقال الناس أنهم تركوا ذلك احترامًا لليلة الجمعة. وفي تلك الليلة حضر جماعة من أهل الأطارف ليلًا وحرقوا باب الجبل وأوقدوا فيه النار فظن أهل الجبل أن أهل القلعة يريدون الخروج فضربوا عليهم مدافع فتنبه من بالقلعة وأسرعوا إلى جهة باب الجبل وضربوا بالرصاص فلما تحقق من بالجبل القضية رموا عليهم أيضًا وتسامع الناس كثرة الضرب الرصاص فلم يعلموا الحقيقة ورجع من أتى إلى الباب من غير طائل فلما طلع النهار ظهر الأمر. وفي اليوم الثاني بعد الظهر تسلق جماعة من العسكر القلعاوية على سلالم صنعوها من حبال ونزلوا إلى جهة المحجر لأخذ شيء من الأكل والشرب وهم نحو العشرين فتنبه الناس لهم واجتمعوا بالخطة وأخذوا ما أخذوه من أهل الدور من الخبز والدقيق وقرب الماء وصعدوا من حيث أتوا وأعادوا الرمي بالمدافع والقنابر من عصر يوم الجمعة وليلة السبت واستمروا على ذلك وسقط بسبب ذلك حيطان وبعض من أبنية الدور وخرج كثير من الناس وبعدوا عن جهات الضرب وخصوصًا جهة الأزهر وذهبوا إلى ناحية الحسينية والأطارف وخرجت النساء وفي يوم الأحد أرسل كتخدا محمد علي باشا إلى السيد عمر وأشار عليه بإرسال العتالين والشيالين إلى ناحية قلعة الفرنساوية التي بقنطرة الليمون لرفع المدفع الكبير الذي هناك وأرسلوا أشخاصًا من الإنكليز يتقيدون بذلك فجمعوا الرجال والأبقار وذهبوا إلى هناك وأحضروه وأخرجوه من باب البرقية يريدون وضعه عند باب الوزير حيث مجرى السيل ليرموا به على برج القلعة واستمروا في جره يومين. وفي ذلك اليوم نزل أيضًا ستة أشخاص يريدون أخذ الماء من صهريج جهة الحطابة فضرب عليهم من هناك من المتترسين فهربوا وطلعوا من حيث نزلوا. وفي ليلة الثلاثاء نصبوا المدفع المذكور وضربوا به وضربوا أيضًا من أعلى الجبل ومن بالقلعة يضربون على البلد يواصلون الضرب بالمدافع والقنابر والبنبات الكبار والآلات المحرقة واستمروا على ذلك إلى ليلة الجمعة الأخرى فسكن الرمي تلك الليلة وأصيب كثير من الدور والحيطان والأبنية وأصابت أشخاصًا قتلتهم ووزن بعض البنبات فبلغ وزنها بما فيها قنطارين. شهر ربيع الثاني سنة 1220 استهل بيوم الجمعة فيه وردت أخبار من ثغر سكندرية بورود قابجي وهو صالح آغا الذي كان يابقًا بمصر ببيت رضوان كتخدا إبراهيم بك وعلى يده جوابات بالراحة فحصلت ضجة في الناس وفرحوا ورمحوا بطول ذلك اليوم وعملوا شنكًا تلك الليلة التي هي ليلة السبت ورموا سواريخ في سائر النواحي وضربوا بنادق وقرابين بالأزبكية وخارج باب الفتوح وباب النصر والمدافع التي على أبراج الأبواب ولما سمع من بالقلعة ومن بمصر القديمة ظنوا أن العساكر الذين في قلوبهم مرض تحاربوا مع أهل البلد فرموا من القلعة بالمدافع والبنب وحضر علي باشا ومن معه من جهة مصر القديمة ونزل من القلعة طائفة من العسكر جهة عرب اليسار وتترسوا هناك فاجتمع عليهم حجاج وأهل الرميلة ومن معهم من عسكر محمد علي وتحاروا مع المتترسين والواصلين وضربوا من القلعة على محاربيهم وعلى أهل البلد وكذلك من بالجبل ومن بالذنجزية يضربون على القلعة المدافع والسواريخ ونزل أيضًا طائفة وهجموا على الذنجزية وأرادوا سد فلوة المدفع الكبير فضربوا عليهم وقتل كبيرهم ومعه آخر وأخذوا سلاحهم ورؤسهما وأحضروهما إلى السيد عمر وحصل بالبلدة تلك الليلة من ضرب النار من كل ناحية ما هو عجيب من المستغربات واختلط الشنك بالحرب وصار الضرب من الجبل على القلعة بالبنب والمدافع والسواريخ وكذلك من القلعة على البلدة وعلى الذنجزية ومنها على القلعة والمحاربين مع بعضهم البعض والشنك من كل جهة واجتماع الناس والعامة بالأخطاط والنواحي وضربوا طبولًا ومزامير ونقرزانات وكانت ليلة من الغرائب وأصبحوا على الحال الذي هم عليه من الرمي بالمدافع والبنب. وفي يوم الأحد سافرت أنفار من الوجاقلية وغيرهم لملاقاة صالح آغا وصحبتهم طائفة من العسكر أرسلها محمد علي باشا في مركب لخفارته وقد كانوا اتفقوا على سفر بعض المتعممين ثم بطل ذلك وأرسل السيد عمر أفندي باشجاويش والسيد عثمان البكري وسلحدار محمد علي والخواجه عمر المطيلي وبكتاش وأحمد أوده باشا. وفي
|